قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
40967 مشاهدة
صفة الكلام وأدلتها من القرآن


يقول بعد ذلك: كلم موسى بكلامه الذي هو صفة ذاته، لا خلق من خلقه؛ هكذا أخبر تعالى بأنه كلم موسى والكلام معروف أنه الذي يسمعه المكلَّم؛ في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ثم إن الجهمية أنكروا ذلك؛ أنكروا أن يكون الله تعالى متكلما، فأنكروا أن يكون كلم موسى وأنكروا المحبة، فأنكروا أن يكون يحب عباده أو أن من عباده من أحبهم، وأنكروا أن يكون اتخذ إبراهيم خليلا يعني محبوبا، واشتهر بذلك الجعد بن درهم وهو الذي قتله خالد القسري في يوم العيد، ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله يقول:
ولأجـل ذا ضحـى بجعـد خالــد
القسـري يـوم ذبـائح القربـان
إذ قـال إبـراهيـم ليـس خليلـه
كـلا ولا موسـى الكـليم الـداني
شـكر الضحية كل صـاحب سـنة
للـه درك مـن أخـي قربـــان
ضحى به في يوم العيد بعد ما خطب قال: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما، ولم يتخذ إبراهيم خليلا ثم نزل من المنبر وذبحه، جعله أضحية فشكر الضحية كل صاحب سنة، هذا دليل على أن هؤلاء الذين ينكرون مثل هذه الصفات يصدق عليهم أنهم كفار، وقد كفرهم يعني المعتزلة والجهمية جمع من العلماء، سرد منهم اللالكائي خمسمائة من العلماء ذكرهم في كتابه: شرح أصول اعتقاد أهل السنة ولذلك يقول ابن القيم في النونية:
ولقـد تقلد كفرهم خمسـون فـي
عشر ..............................
( خمسون في عشر أي خمسمائة).
ولقـد تقلد كفرهم خمسـون فـي
عشـر من العلمـاء فـي البلـدان
و اللالكــائي الإمـام حكاه عنـ
ـهـم بـل حكــاه قبلـه الطبراني
لا شك أن كفرهم لأجل تنقصهم لله تعالى؛ فالله سبحانه وتعالى كلم موسى تكليما، ذُكر أن بعض المعتزلة جاءوا إلى أبو عمرو بن العلاء الذي هو أحد القراء أبو عمرو بن العلاء فقالوا له: لعلك تقرأ هذه الآية: وكلم اللهَ موسى تكليما؛ يريدوا أن يكون موسى هو الذي كلم الله، فقال له أبو عمرو هَب أني قرأت هذه الآية كذلك، فكيف تصنع بقول الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ هل تحرف هذه الآية؟ فبهت ذلك المعتزلي يعني: أنه لا يستطيع أن يحرفها.
ثم ذكر شيخ الإسلام أنهم حرفوها تحريفا معنويا فقالوا: كلم الله موسى يعني: جرَّحه، لأن الكلم هو الجرح جرَّحه بأظافير الحكمة، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، فيقال: كيف تفعلون بآيات النداء؟ وكيف تفعلون بآيات الكلام؟ قول الله تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ما قال بتجريحي أو بتكليمي؟ وكذلك آيات النداء: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ النداء لا يكون إلا بكلام؟ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ؟ فلا يستطيعون أن يحرفوا ذلك.
فالله تعالى ناداه وكلمه بكلام أسمعه إياه وفهمه، كلامه صفة ذاتية يعني: تعرفون أن الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات ذاتية وصفات فعلية. فإذا قيل: صفة اليدين هل هي ذاتية أو فعلية؟ ذاتية لأنها ملازمة للذات، وصفة السمع والبصر صفة ذاتية، وكذلك صفة الكلام صفة ذاتية، وأما صفة المحبة، وصفة الرحمة، وصفة الغضب والرضا، وصفة البغض والكراهية فإنها فعلية، الصفة الذاتية هي التي لا تنفك عن الذات بل ملازمة للذات، وأما الصفة الفعلية، فهي التي يفعلها إذا شاء، فإنه يغضب إذا شاء ويرضى إذا شاء، في حديث الشفاعة: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله .
فدل على أن الغضب ليس ملازما للذات، وكذلك الرضا، وكذلك الرحمة، وكذلك بقية الصفات الفعلية؛ فالكلام صفة ذاته، لا خلق من خلقه؛ رد على المعتزلة الذين يقولون: إنه مخلوق؛ وذلك لأنهم لما نفو صفة الكلام لم يجدوا بُدًّا من أن يقولوا: إن القرآن مخلوق، -تعالى الله عن قولهم-.